الحد من الفساد وإيقافه يتطلب اتخاذ خطوات جادة وفورية نحو الإصلاح الديمقراطي الحقيقي لفساد يمكن حصاره بسيادة القانون والمساواة أمامه والفصل بين السلطات وتقديم إقرار بالذمة المالية لأعضاء مجلس الشعب
علي القوي المعارضة حشد وتعبئة الجماهير من أجل تغيير السياسات القائمة والأفكار السائدة التي أدت لتجمد الأوضاع لسنوات طويلة
لا تقتصر ظاهرة الفساد علي شعب واحد أو دولة أو ثقافة واحدة دون الأخري، ولكنها تختلف في حجمها ودرجتها من مجتمع لآخر، فهناك علاقة بين طبيعة النظام السياسي والفساد، فالنظم الاستبدادية والديكتاتورية ترتفع فيها معدلات الفساد، وهذا ما تؤكده تقارير منظمة الشفافية الدولية إذ جاءت سوريا في المرتبة الأخيرة لهذا السبب، والعكس صحيح فالدول التي تتمتع بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان تقل معدلات الفساد فيها وعليه تأتي في مرتبة متقدمة في محاربة الفساد وفقًا للتقارير الدولية، بمعني آخر هناك علاقة بين النظم غير الديمقراطية وانتشار الفساد.
ووفقًا لمؤشر مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة «الشفافية الدولية» العام الحالي 2008، نجد أن مصر كانت من بين الدول التي أثنت المنظمة علي التحسن الحاصل فيها لمكافحة الفساد، كما أثنت المنظمة علي المغرب، لبنان، الأردن، الكويت واليمن. ويمكن إرجاع هذا الإثناء بالأساس إلي قيام الحكومة بتشكيل ما يسمي بلجنة الشفافية والنزاهة والتي تختص بمكافحة الفساد ودعم الشفافية والمحاسبة.
وبرغم اختلافنا مع ما أشارت إليه منظمة الشفافية الدولية بشأن الوضع في مصر، فإن ينبغي البناء عليها، فعلي الحكومة المصرية استنهاض الكفاءات والمؤسسات التشريعية والقضائية والإدارية والمالية الوطنية في جهد مشترك للمساهمة في الوصول إلي الهدف الأساسي ألا وهو القضاء علي الفساد عبر تشخيص ودراسة مظاهره وأنواعة وأسبابه ونتائجه، وغياب المساءلة والشفافية والمحاسبة.
في واقع الأمر فإن الحد من الفساد وإيقاف استفحاله في المجتمع يتطلب قيام النخبة السياسية أولاً باتخاذ خطوات جادة وفورية نحو الإصلاح الديمقراطي وحشد الجماهير حولها وتلبية احتياجاتهم الأساسية، لاسيما فيما يخص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (الحق في التعليم، الحق في السكن، الحق في الصحة، الحق في عمل مناسب، الحق في بيئة صحية)، وثانيًا: تغيير السياسات القائمة والتي أدي بعضها إلي استفحال الفساد ونجاح القلة وفشل الأغلبية، ثالثًا: ضرورة بناء نظام ديمقراطي يوفر العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، ويقوم علي مبدأ فصل السلطات الثلاث «التنفيذية والتشريعية والقضائية»، وسيادة القانون من خلال خضوع الجميع للقانون والمساواة أمامه وتنفيذ واحترام أحكامه، رابعًا: قيام كل عضو في مجلس الشعب بتقديم إقرارًا بالذمة المالية الخاصة به وبزوجه وبأولاده القصر مفصلاً فيه كل ما يملكون من ثروة، عقارًا ومنقولاً في داخل مصر وخارجها، وكذلك تفعيل الرقابة الصادرة عن الجهات التشريعية المتمثلة في مجلس الشعب التي تسمح بالمساءلة للمسئولين المعنيين مثل الوزراء، من خلال النقاش العلني لأعمالهم في جلسات البرلمان، بمعني آخر أن يقوم النظام السياسي علي الوضوح والمحاسبة بشكل علني، حتي يردع ذلك من يفكر بممارسة سلوك الفساد.
وفي ضوء قيام الحكومة المصرية ببناء استراتيجية متكاملة لمكافحة الفساد ستتراجع معدلاته وستكون البلاد في أحسن حال، لاسيما أن الفساد يؤثر سلبًا في النظام السياسي ويضعف بنيته الديمقراطية، ويؤدي إلي ضياع حقوق المواطنين، خاصة حقهم في الحصول علي الخدمات العامة والحريات، ومن بينها حرية الوصول إلي المعلومات وحرية الإعلام وكذلك الحقوق مثل حق المساواة وتكافؤ الفرص وحق المشاركة السياسية، إذ يقلل الفساد من إقبال المواطنين علي المشاركة السياسية نتيجة عدم اقتناعهم بنزاهة المسئولين، وعدم الثقة بالمؤسسات العامة وأجهزة الدولة. ويجعل المصالح الشخصية تتحكم بالقرارات التي تتخذها الحكومة حتي وإن كانت هذه القرارات مهمة ومصيرية، بل يسيء الفساد إلي سمعة الدولة بين الدول الأخري، مما يؤثر في علاقاتها الخارجية ومشاركتها في القضايا العالمية.
وأخيرًا فإن الديمقراطية هي المفتاح لمكافحة الفساد، والمسئولية هنا مسئولية جماعية تقع علي النخب جميعها سواء كان موقعها في السلطة أو المعارضة، فعلي الأخيرة الخروج من الحيز الشخصي في المطالبة بالتغيير إلي الحيز الموضوعي، أي حشد تعبئة الجماهير علي أساس العمل علي تغيير السياسات والأفكار السائدة والقائمة والتي أدت إلي تجمد الأوضاع وبقائها علي حالها لسنوات طويلة، وبهذه الطريقة يمكن بناء خطاب ديمقراطي وطني تشترك فيه جميع القوي الحزبية والسياسية والمجتمعية يهدف بالأساس إلي بناء حكم ديمقراطي رشيد يقوم علي إرساء مبادئ الشفافية والنزاهة، ويكافح الفساد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق